الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخصائص **
اعلم أن الأمثلة المأخوذة على صاحبه سنذكرها ونقول فيها ما يدحض عنه ظاهر معرتها لو صحت عليه. ولو لم تكن فيها حيلة تدرأ شناعة إخلاله بها عنه لكانت معلاة له لا مزراة عليه وشاهدة بفضله ونقص المتتبع له بها لا نقصه إن كان أوردها مريداً بها حط رتبته والغض من فضيلته. وذلك لكلفة هذا الأمر وبعد أطرافه وإيعار أكنافه أن يحاط بها أو يشتمل تحجر عليها. وإن إنساناً أحاط بقاصي هذه اللغات المنتشرة وتحجر أذراءها المترامية على سعة البلاد وتعادي ألسنتها اللداد وكثرة التواضع بين أهليها من حاضر وباد حتى اغترق جميع كلام الصرحاء والهجناء والعبيد والإماء في أطرار الأرض ذات الطول والعرض ما بين منثور إلى منظومٍ ومخطوب به إلى مسجوع حتى لغات الرعاة الأجلاف والواعي ذوات صرار الأخلاف وعقلائهم والمدخولين وهذاتهم الموسوسين في جدهم وهزلهم وحربهم وسلمهم وتغاير الأحوال عليهم فلم يخلل من جميع ذلك - على سعته وانبثاثه وتناشره واختلافه - إلآ بأحرف تافهة المقدار متهافتةٍ على البحث والاعتبار - ولعلها أو أكثرها مأخوذة عمن فسدت ولنذكر ما أورد عليه معقباً به ولنقل فيه ما يحضرنا من إماطة الفحش به عنه بإذن الله. ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب وهي: تلقامة وتلعابة فِرناس فُرانس تنوفى ترجمان شحم أمهج مهوأن عياهم ترامز وتماضر ينابعات دحندح عفرين ترعاية الصنبر زيتون ميسون كذبذب وكذبذب هزنبزان عفزران هديكر هندلع درداقس خزرانق شمنصير مؤقٍ مأقٍ جبروة مسكين منديل حوريت ترقؤة خلبوت حيوت سمرطول قرعبلانة عقربان مألك إصري إزلزل إصبع خرفع زئبر ضئبل خرنباش زرنوق صعفوق كنادر الماطرون خزعال قسطال ويلمة فرنوس سراوع ضهيد عتيد الحبليل الأربعاوى مقبئن يرنأ تعفرت. أما تلقامة وتلعابة فإنه وإن لم يذكر ذلك في الصفات فقد ذكر في المصادر تفعّلت تِعِفّالاً نحو تحملت تِحمالاً ومثله تقربت تِقراباً. ولو أردت الواحدة من هذا لوجب أن تكون تِحمالة. فإذا ذكر تفعالاً فكأنه قد ذكره بالهاء. وذلك لأن الهاء زائدة أبداً في تقدير الانفصال على غالب الأمر. وعلى الجملة فإن هذه الفوائت عند أكثر الناس إذا فحص عن حالها وتؤملت حق تأملها فمنها ما ليس قائله فصيحاً عنده. ومنها لم يسمع إلا في الشعر. والشعر موضع إضطرار وموقف اعتذار. وكثيراً ما يحرف فيه الكلم عن أبنيته وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها لأجله ألا ترى قوله: أبوك عطاء ألأم الناس كلهم يريد عطية. وقالت امرأة ترثي ابناً لها يقال له حازوق: أقلب طرفي في الفوارس لا أرى حزاقاً وعيني كالحجاة من القطر وأمثاله كثيرة. وقد ذكرناها في فصل التحريف. ومنها ما هو لازم له. وعلى أنا قد قلنا في ذلك ودللنا به على أنه من مناقب هذا الرجل ومحاسنه: أن يستدرك عليه من هذه اللغة الفائضة السائرة المنتشرة ما هذا قدره وهذه حال محصوله. وليس لقائل أن يدعى أن تِلِقامة وتلعابة في الأصل المرة الواحدة ثم وصف بها على حد ما يقال في المصدر يوصف به نحو قول الله سبحانه: ولذلك لم يجيزوا: زيد إقبالة وإدبارة قياساً على زيد إقبال وإدبار. فعلى هذا لا يجوز أن يكون قولهم: تِلِقامة على حد قولك: هذا رجل صوم لكن الهاء فيه كالهاء في علامة ونسابة للمبالغة. وإذا كان كذلك فإنه قد كاد يفارق مذهب الصفة ألا ترى أن من شرط الصفة أن تطابق موصوفها في تذكيره وتأنيثه فوصف المذكر بالمؤنث ووصف المؤنث بالمذكر ليس متمكناً في الوصف تمكن وصف المونث بالمؤنث والمذكر بالمذكر. فقولك إذاً: هذا رجل عليم أمكن في الوصف من قولك: هذا رجل علامة كما أن قولك: مررت بامرأة كافرة أمكن في الوصف من قولك: مررت بامرأة كفور. وإذا كان كذلك جرى تِلِقامة من قولك مررت برجل تلقامة نحواً من مجرى مررت بنسوة أربع في أن أربعاً ليس بوصف متمكن ولذلك صرفته وإن كان صفة وصف على أفعل. فكأن تلقامة بعد ذلك كله اسم لا صفة وإذا كان اسما أو كالاسم سقط الاعتذار منه لأن سيبويه قد ذكر في المصادر تفعّلت تِفِعالاً فإذا ذكره أغنى عن ذكره في الأبنية ولم يجز لقائل أن يذكره مثالاً معتداً عليه. كما أن ترعاية في الصفات تسقط عنه أيضاً من هذا الوجه ألا تراه صفة مؤنثة جرت على موصوف مذكر فأوحش ذلك منها في الوصف وجرى لذلك مجرى: مررت برجال أربعة في أن أربعة ليس وصفاً محضاً وإنما هو اسم عدد بمنزلة نسوة أربع كما أن أربعة لما لم يخص المؤنث دون المذكر جرى لذلك مجرى الاسم فلذلك قالوا في جمعه: ربعات فحركوا كما يحركون الاسم نحو قصعات. وإذا كان كذلك سقط عنه أيضاً أن لم يذكر تِفِعالا في الصفة. وكذلك ما حكاه الأصمعي من قولهم ناقة تضراب لأنها لما كانت صفة مذكرة جارية على مؤنث لم تستحكم في الصفة. وأما فِرناس فقد ذكره في الأبنية في آخر ما لحقته الألف رابعة مع غيرها من الزوائد. وأما فُرانس فلعمري إنه لم يذكره. وظاهر أمره أنه فُعانل من لفظ الفرس قال: أأن رأيت أسداً فرانساً الوجه كرهاً والحبين عابسا وأما تنوفى فمختلف في أمرها. وأكثر أحوالها ضعف روايتها والاختلاف الواقع في لفظها. وإنما رواها السكري وحده. وأسندها إلى امرىء القيس في قوله: كأن دثاراً حلقت بلبونه عقاب تنوفى لا عقاب الفواعل والذي رويته عن أحمد بن يحيى: وقال القواعل إكام حولها وقال أبو حاتم: هي ثنية طيىء وهي مرتفعة. وكذا رواها ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني. ورواية أبي عبيدة: تنوفى. وأنا أرى أن تنوف ليست فعولاً بل هي تفعل من النوف وهو الارتفاع. سميت بذلك لعلوها. ومنه أناف على الشيء إذا ارتفع عليه والنيف في العدد من هذا هو فَيعَل بمنزلة صيب وميت. ولو كسرت النيف على مذهب أبي الحسن لقلت: نياوف فأظهرت عينه. فتنوف - في أنه علم على تفعل - بمنزلة يشكر ويعصر. وقلت مرة لأبي علي - وهذا الموضع يقرأ عليه من كتاب أصول أبي بكر رحمه الله -: يجوز أن يكون تنوفى مقصورة من تنوفاء بمنزلة بروكاء فسمع ذلك وعرف صحته. وكذلك القول عندي في مسولي في بيت المرار: فأصبحت مهموماً كأن مطيتي بجنب مسولي أو بوجرة ظالع ينبغي أن تكون مقصورة من مسولاء بمنزلة جلولاء. فإن قلت: فإنا لم نسمع بتنوفى ولا مسولى ممدودين ولو كانا أو أحدهما ممدوداً لخرج ذلك إلى الاستعمال. قيل: ولم يكثر أيضاً استعمال هذين الاسمين وإنما جاءا في هذين الموضعين. بل لو كثر استعمالها مقصورين لصح ما أردته ولزم ما أوردته فإنه يجوز أن يكون ألف تنوفى إشباعاً للفتحة لا سيما وقد رويناه تنوف مفتوحاً كما ترى وتكون هذه الألف ملحقة مع الإشباع لإقامة الوزن ألا تراها مقابلة لياء مفاعيلن كما أن الألف في قوله: ينباع من ذفرى غضوب جسرة إنما هي إشباع للفتحة طلباً لإقامة الوزن ألا ترى أنه لو قال: ينبع من ذفرى لصح الوزن إلا أن فيه زحافاً هو الخزل كما أنه لو قال: تنوف لكان الجزء مقبوضاً. فالإشباع إذاً في الموضعين إنما هو مخافة الزحاف الذي مثله جائز. وأما ترجمان فقد حكى فيه ترجمان بضم أوله. ومثاله فُعلُلان كعُترُفان ودُحمُسان وكذلك التاء أيضاً فيمن فتحها أصليةٌ وإن لم يكن في الكلام مثال جعفر لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز. ومن ذلك عُنفُوان ألا ترى أنه ليس في الكلام فُعلُوٌ. وكذلك خِنظِيان لأنه ليس في الكلام فِعلِيٌ إلا بالهاء نحو حِدرِية وعِفرِية كما أنه ليس فيه فُعلُو إلا بالهاء نحو عُنصُوة. وكذلك الريهقان لأنه ليس في الكلام فَيعُل. ونظير ذلك كثير. فكذلك يكون ترجمان فَعلُلاناً وإن لم يكن في الكلام فَعلُل ومثله قوله: وما أيبلىٌ على هيكلٍ هو فَيعُلي لأنه قد يجىء مع ياءي الإضافة ما لولاهما لم يجىء نحو قولهم: تحوى في الإضافة إلى تحية وهو تفلى. وأما شحم أمهج فلعمري إن سيبويه قد حظر في الصفة أفعل. وقد يمكن أن يكون محذوفاً من أمهوج كأسكوب. وجدت بخط أبي علي عن الفراء: لبن أمهوج. فيكون أمهج هذا مقصوراً منه لضرورة الشعر وأنشد أبو زيد: يطعمها اللحم وشحماً أمهجا ولم نسمعه في النثر أمهجا. وقد يقال: لبن أمهجان وماهج قال هميان بن قحافة: وعرضوا المجلس محضا ماهجا ويروى: وأروت المجلس وكنت قلت لأبي علي - رحمه الله - وقت القراءة: يكون أمهج محذوفاً من أمهوج فقبل ذلك ولم يأبه. وقد يجوز أن يكون أمهج في الأصل اسماً غير صفة إلا أنه وصف به لما فيه من معنى الصفاء والرقة كما يوصف بالأسماء الضامنة لمعاني الأوصاف كما أنشد أبو عثمان من قول الراجز: مئبرة العرقوب إشفى المرفق فلولا الله والمهر المفدى لرحت وأنت غربال الإهاب فهذا كقولك: وأنت مخرق الإهاب وله نظائر. وأما مهوأن ففائت للكتاب. وذهب بعضهم إلى أنه بمنزلة مطمأن. وهذا سهو ظاهر. وذلك لأن الواو لا تكون أصلاً في ذوات الأربعة إلا عن تضعيف. فأما ورنتل فشاذ. فمهوأن إذاً مفوعل. كأنه جارٍ على اهوأن. وقد قالوا: اكوهد واقوهد وهو افوعل ونحوه قول الهذلي: فشايع وسط ذودك مقبئناً لتحسب سيداً ضبعاً تبول مقبئناً: منصباً. فهذا مفعلل كما ترى. وشبه هذا المجوز لأن يكون مهوأن بمنزلة مطمأن الواو فيه بالواو في غوغاء وضوضاء وليس هذا من خطأ أهل الصناعة لأن غوغاء وضوضاء من ذوات تضعيف الواو بمنزلة ضوضيت وقوقيت. وقد يجوز من وجه آخر أن يكون واو مهوأن أصلاً. وذلك بأن يكون سيبويه قد سأل جماعة من الفصحاء عن تحقير مهوأن على الترخيم فحذفوا الميم وإحدى النونين ولم يحذفوا الواو البتة مع حذفهم واو كوثر على الترخيم في قولهم: كثير وحذفهم واو جدول وقولهم: جديل وامتنعوا من حذف واو مهوأن فقطع سيبويه بأنها أصل فلم يذكره. وإذا كان هذا جائزاً وعلى مذهب إحسان الظن به سائغاً كان فيه نصرة له و تجميل لأثره فاعرفه فتكون الواو مثلها في ورنتلٍ. وكذلك يمكن أن يحتج بنحو هذا في فرانسٍ وكنادر فتكون النون فيهما أصلاً. وأما عياهم فحاكيه صاحب العين وهو مجهول. وذاكرت أبا علي - رحمه الله - يوماً بهذا الكتاب فأساء نثاه. فقلت له: إن تصنيفه أصح وأمثل من تصنيف الجمهرة فقال: الساعة لو صنف إنسان لغة بالتركية تصنيفاً جيداً أكانت تعتد عربية لجودة تصنيفها أو كلاهما هذا نحوه. وعلى أن صاحب العين أيضاً إنما قال فيها: وقال بعضهم: عياهمة وعياهم كعذافرة وعذافر. فإن صح فهو فُياعل ملحق بعذافر وقلت فيه لأبي علي: يجوز أن تكون العين فيه بدلاً من همزة كأنه أياهم كأباتر وأحامر فقبل ذلك. وأما تماضر وترامز فذهب أبو بكر إلى أن التاء فيهما زائدة. ولا وجه لذلك لأنها في موضع عين عذافر فهذا يقضى بكونها أصلاً وليس معنا اشتقاق فيقطع بزيادتها. قال أبو زيد: وهو الجمل القوي الشديد وأنشد: إذا أردت طلب المفاوز فاعمد لكل بازلٍ ترامز وذهب بعضهم في تماضر إلى أنه تُفاعل وأنه فعل منقول: كيزيد وتغلب. ولا حاجة به إلى ذلك بل تماضر رباعي وتاؤه فاء كترامز. فإن توهم ذلك لامتناع صرفه في قوله: فليس شيئا لأن تماضر علم مؤنث وهو اسم الخنساء الشاعرة. وإنما منع الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف كامرأة سميتها بعذافر وعماهج. وهذا واضح. وأما ينابعات فما أظرف أبا بكر أن أورده على أنه أحد الفوائت! ألا يعلم أن سيبويه قد قال: ويكون على يفاعل نحو اليحامد واليرامع. فأما لحاق علم التأنيث والجمع به فزائد على المثال وغير محتسب به فيه وإن رواه راوٍ ينابعات فينابع يفاعل كيضارب ويقاتل نقل وجمع. وأما دحندح فإنه صوتان: الأول منهما منون: دحٍ والآخر منهما غير منون: دح وكأن الأول نون للوصل. ويؤكد ذلك قولهم في معناه: دح دح فهذا كصهٍ صهٍ في النكرة وصه صه في المعرفة. فظنته الرواة كلمة واحدة. ومن هنا قلنا: إن صاحب اللغة إن لم يكن له نظر أحال كثيراً منها وهو يرى أنه على صواب. ولم يؤت من أمانته وإنما أتي من معرفته. ونحو هذا الشاهد إذا لم يكن فقيها: يشهد بما لا يعلم وهو يرى أنه يعلم. ولذلك ما استد عندنا أبو عمرو الشيباني. لملازمته ليونس وأخذه عنه. ومعنى هذه الكلمة فيما ذكر محمد بن الحسن أبو بكر: قد أقررت فاسكت وذكر محمد بن حبيب أن دحندح دويبة صغيرة: يقال: هو أهون علي من دحندح ومثل هذين الصوتين عندي قول الآخر: إن الدقيق يلتوى بالجنبخ حتى يقول بطنه جخٍ جخ وأما عفرين فقد ذكر سيبويه فعلا كطمر وحبر. فكأنه ألحق علم الجمع كالبرحين والفتكرين. إلا أن بينهما فرقاً. وذلك أن هذا يقال فيه: البرحون والفتكرون ولم يسمع في عفرين الواو. وجواب هذا أنه لم يسمع عفرين في الرفع يالياء وإنما سمع في موضع الجر وهو قولهم: ليث عفرين. فيجب أن يقال فيه في الرفع: هذا عفرون. لكن لو سمع في موضع الرفع بالياء لكان أشبه بأن يكون فيه النظر. فأما وهو في موضع الجر فلا يستنكر فيه الياء. وأما ترعاية فقد قيل فيه أيضا: رجل ترعية وترعاية. وكان أبو علي صنع ترعاية فقال: أصلها ترعية ثم أبدلت الياء الأولى للتخفيف ألفا كقولهم في الحيرة: حارى. وإذا كان ذاك أمرا محتملا لم يقطع بيقين على أنه مثال فائت في الصفات. ولكن قد حكى الأصمعي: ناقة تضراب إذا ضربها الفحل. فظاهر هذا أنه تفعال في الصفة كما ترى. وقد ذكرنا ما فيه في أول الباب. وأما الصنبر فقد كنت قلت فيه في هذا الكتاب في قول طرفة: بجفان تعترى نادينا وسديف حين هاج الصنبر ما قد مضى وإنه يرجع بالصنعة إلى أنه من نحو مررت ببكر. وذهب بعضهم إلى أنه كسر الباء لسكونها وسكون الراء. وفيه ضعف. وذلك أن الساكنين إذا التقيا من كلمة واحدة حرك الآخر منهما نحو أمس وجير وأين وسوف ورب. وإنما يحرك الأول منهما إذا كانا من فإن قلت: فالوزن اقتضى تحريك الأول قيل: أجل إلا أنه لم يقتضك فساد الاعتلال. فإذا قلت ما قلنا نحن في هذا فيما مضى من كتابنا سلم على يديك وثلج به صدرك إن شاء الله. فإن قلت: فقد قالوا في الوقف: ضربته. قيل: هذا أمر يخص تاء التأنيث رغبة في الكسرة الدالة على التأنيث. وأيضاً فإن التاء آخر الكلمة والهاء زائدة من بعدها ليست منها. وكذلك القول في ادعه واغزه ألا ترى أن الهاء زائدة من بعد الكلمة. وعلى أنه قد يجوز أن تكون الكسرة فيهما إنما هي على حد قولك: ادع واغز ثم لحقت الهاء. ونحوه ما أنشده أبو سهل أحمد بن زياد القطان: كأن ريح دبرات خمس وظربانا بينهن يفسى ريح ثناياها بعيد النعس أراد: يفسو ثم حذف الواو استخفافا وأسكن السين والفاء قبلها ساكنة فكسر السين لالتقائهما ثم أشبع للإطلاق فقال: يفسى. فاعرف ذلك. وأما هزنبزان وعفزران فقد ذكرا في بعض نسخ الكتاب. والهزنبزان السيء الخلق قال: لقد منيت بهزنبران لقد نسيت غفل الزمان وعفزران: اسم رجل. وقد يجوز أن يكون أصله: عفزر كشعلع وعديس ثم ثنى وسمى به وجعلت النون حرف إعراب كما حكى أبو الحسن عنهم في اسم رجل: خليلان. وكذلك أيضاً ذهب في قوله: ألا يا ديار الحي بالسبعان إلى أنه تثنية سبع وجعل النون حرف إعراب. وليس لك مثل هذا التأويل في هزنبزان لأنه نكرة وصفة للواحد. وهذا يبعده عن العلمية والتثنية. وأما هديكر فقال أبو علي: سألت محمد بن الحسن عن الهيدكر فقال: لا أعرفه وأعرف الهيدكور. قال أبو بكر: وإن سمع فلا يمتنع. هذا حديث الهيدكر وأما الهديكر فغير محفوظ عنهم وأظنه من تحريف النقلة ألا ترى إلى بيت طرفة: فهى بداء إذا ما أقبلت فخمة الجسم رداح هيدكر وكأن الواو حذفت من هيدكور ضرورة. فإذا جاز أن تحذف الواو الأصلية لذلك في قول الأسود بن يعفر. فألحقت أخراهم طريق ألاهم كان حذف الزيادة أولى. ويقال: تهدكرت المرأة تهدكرا في مشيها. وذلك إذا ترجرجت. وأما زيتون فأمره واضح وأنه فعلون ومثال فائت. والعجب أنه في القرآن وعلى أفواه الناس للاستعمال. وقد كان بعضهم قد تجشم أن أخذه من الزتن وإن كان أصلا مماتا فجعله فيعولا. وصاحب هذا القول ابن كيسان أو ابن دريد: أحد الرجلين. ومثل زيتون - عندي - ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد بن معاوية. وكان سمعها تهجوه فقال لها: الحقي بأهلك. وأما قيطون فإنه فيعول من قطنت بالمكان لأنه بيت في جوف بيت. وأما الهندلع فبقلة وقيل: إنها غريبة ولا تنبت في كل سنة. وما كانت هذه سبيله كان الإخلال بذكره قدرا مسموحا به ومعفوا عنه. وإذا صح أنه من كلامهم فيجب أن تكون نونه زائدة لأنه لا أصل بإزائها فتقابله. فهى إذا كنون كنتأل. ومثال الكلمة على هذا: فنعلل. ومن ادعى أنها أصل وأن الكلمة بها خماسية فلا دلالة له ولا برهان معه. ولا فرق بين أن يدعى أصلية هذه النون وبين ادعائه أصلية نون كنتأل وكنهبل. وأما كذبذب خفيفا وكذبذب ثقيلا ففائتان. ونحوهما ما رويته عن بعض أصحابنا من قول بعضهم: ذرحرح في هذا الذرحرح بفتح الرائين أنشد أبو زيد: وإذا أتاك بأنني قد بعتها بوصال غانية فقل كذبذب ولسنا نعرف كلمة فيها ثلاث عينات غير كذبذب وذرحرح. وقد أنشد بعض البغدادين قول الشاعر: بات يقاسي ليلهن زمام والفقعسي حاتم بن همام مسترعفات ليصللخم سام اللام الأولى هي الزائدة هنا لأنه لا يلتقي عينان إلا والأولى ساكنة وهذا مصنوع للضرورة يريد: لصلخم فاحتاج لإقامة الوزن فزاد على العينين أخرى فصار من فعل إلى فععل. وأما الدرداقس فقيل فيه: إنه أعجمي وقال الأصمعي: أحسبه روميا وهو طرف العظم الناتئ فوق القفا. وأنشد أبو زيد: من زل عن قصد السبيل تزايلت بالسيف هامته عن الدرداقس وكذلك الخزرانق أعجمي أيضا. وهو فارسي يعنى به ضرب من ثياب الديباج. ويجب أن تكون نونه زائدة إن كان الدرداقس أعجميا. فإن كان عربيا فيجب أن تكون نونه أصلا لمقابلتها قاف درداقس العربي. وأما شمنصير ففائت أيضا إن كان عربيا. قال الهذلي: لعلك هالك إما غلام تبوأ من شمنصير مقاما وأما مؤقٍ فظاهر أمره أنه فعلٍ وفائت. وقد يجوز أن يكون مخففاً من فعلي كأنه في الأصل مؤقي بمعنى مؤقٍ وزيدت الياء لا للنسب بل كزيادتها في كرسي وإن كانت في كرسي لازمة وفي مؤقي غير لازمة لقولهم فيه: مؤقٍ. لكنها في أحمري وأشقري غير لازمة. وأنشدنا أبو علي: كان حداء قراقريا يريد قراقرا وأنشدنا أيضاً للعجاج: غضف طواها لأمس كلابي أي كلاب يعنى صاحب كلاب وأنشدنا أيضاً له: والدهر بالإنسان دواري أي دوار إلا أن زيادة هذه الياء فى الصفة أكثر منها في الاسم لأن الغرض فيها توكيد الوصف. ومثل مؤقٍ في هذه القضية ما رواه الفراء من قول بعضهم فيه: ماقٍ. فيجب أيضاً أن يكون مخففاً من ثقيله. وأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: يا من العين لم تذق تغميضا وماقيين اكتحلا مضيضا فمقلوب. وذلك أنه أراد من المأق مثال فاعل فكان قياسه ماق إلا أنه قد قلبه إلى فالع فصار: مأقٍ بمنزلة شاكٍ ولاثٍ في شائك ولائث. ومثله قوله: وأمنع عرسي أن يزن بها الخالى أراد: الخائل: فاعلا من الخيلاء. وجبروة من قبل الكوفيين. وهو فائت. ومثاله فعلوة. وأما مسكين ومنديل فرواهما اللحياني. وذاكرت يوماً أبا علي بنوادره فقال: كناش. وكان أبو بكر - رحمه الله - يقول: إن كتابه لا تصله به رواية قدحاً فيه وغضاً منه. وأما حوريت فدخلت يوماً على أبي علي - رحمه الله - فحين رأنى قال: أين أنت! أنا أطلبك. قلت: وما هو قال: ما تقول في حوريت فخضنا فيه فرأيناه خارجاً عن الكتاب. وصانع أبو علي عنه بأنه قال: إنه ليس من لغة ابني نزار فأقل الحفل به لذلك. وأقرب ما ينسب إليه أن يكون فعليتا قريباً من عفريت. ونحوه ما أخبرنا به أبو علي من قول بعضهم في الخلبوت: الخلبوت وأنشد: ويأكل الحية والحيوتا وهو ذكر الحيات فهذان فعلوت. وأما ترقؤة فبادي أمرها أنها فائتة لكونها فعلؤة. ورويناها عن قطرب وذكر أنها لغة لبعض عكل. ووجه القول عليها - عندي - أن تكون مما همز من غير المهموز بمنزلة استلأمت الحجر واستنشأت الرائحة - وقد ذكرنا ذلك في بابه - وأصلها ترقوة ثم همزت على ما قلناه. وأما سمرطول فأظنه تحريف سمرطول بمنزلة عضرفوط ولم نسمعه في نثر. قال: على سمرطولٍ نيافٍ شعشع وإذا استكرهوا في الشعر لإقامة الوزن خلطوا فيه قال: بسحبل الدفين عيسجور أراد سبحلا فغير كما ترى. وله نظائر قد ذكرت في باب التحريف. وقرعبلانة كأنها قرعبل ولا اعتداد بالألف والنون وما بعدهما. ويدلك على إقلالهم الحفل بهما ادغامهم الإمدان كما يدغم أفعل من المضاعف نحو أرد وأشد ولو كانت الألف والنون معتدة لخرج بهما المثال عن وزن الفعل فوجب إظهاره كما يظهر ما خرج عن مثاله نحو حضض وسُرر وسَرر. وعلى أن هذه اللفظة لم تسمع إلا من كتاب العين. وهي - فيما ذكر - دويبة. وفيه وجه آخر. وهو أن الألف والنون قد عاقبتا تاء التأنيث وجرتا مجراها. وذلك في حذفهم لهما عند إرادة الجمع كما تحذف ألا تراهم قالوا في استخلاص الواحد من الجمع بالهاء وذلك شعير وشعيرة وتمر وتمرة وبط وبطة وسفرجل وسفرجلة. فكذلك انتزعوا الواحد من الجمع بالألف والنون أيضاً. وذلك قولهم: إنس فإذا أرادوا الواحد قالوا: إنسان وظرب فإذا أراد الواحد قالوا: ظربان قال: قبحتم يا ظربا مجحره وكذلك أيضاً حذفوا الألف والنون لياءي الإضافة كما حذف التاء لهما قالوا في خراسان: خراسي كما يقولون في خراشة: خراشي. وكسروا أيضاً الكلمة على حذفهما كما يكسرونها على حذف التاء. وذلك قولهم: كَروان وكِروان وشَقذان وشِقذان كما قالوا: بَرق وبِرقان وخرب خربان. فنظير هذا قولهم: نعمة وأنعم. وشدة وأشد عنده سيبويه. فهذا نظير ذئب وأذؤب وقطع وأقطع وضرس وأضرس قال: وقرعن نابك قرعة بالأضرس وقالوا أيضاً: رجل كذبذب وكذبذبان حتى كأنهما مثال واحد كما أن دماً ودمة وكوكباً وكوكبة مثال واحد. ومثله الشعشع والشعشان والهزنبر والهزنبران والفرعل والفرعلان. فلما تراسلت الألف والنون والتاء في هذه المواضع وغيرها جرتا مجرى المتعاقبتين فإذا التقتا في مثال واحد ترافعتا أحكامهما على ما قدمناه في ترافع الأحكام. فكذلك قرعبلانة لما اجتمعت عليه التاء مع الألف والنون ترافعتا أحكامهما فكأن لا تاء هناك ولا ألف ولا نوناً فبقى الاسم على هذا كأنه قرعبل. وذلك ما أردنا بيانه. فاعرفه. وأما عقربان مشدد الباء فلك فيه أمران: إن شئت قلت: إنه لا اعتداد بالألف والنون فيه - على ما مضى - فيبقى حينئذ كأنه عقرب بمنزلة قسقب وقسحب وطرطب. وإن شئت ذهبت مذهبا أصنع من هذا. وذلك أنه قد جرت الألف والنون من حيث ذكرنا في كثير من كلامهم مجرى ما ليس موجوداً على بيننا. وإذا كان كذلك كانت الباء لذلك كأنها حرف الإعراب وحرف الإعراب قد يلحقه التثقيل في الوقف نحو هذا خالد وهو يجعل. ثم إنه قد يطلق ويقر تثقيله عليه نحو الأضخما وعيهل. فكأن عقرباناً لذلك عقرب ثم لحقتها التثقيل لتصور معنى الوقف عليها عند اعتقاد حذف الألف و النون من بعدها فصارت كأنها عقرب ثم لحقها الألف والنون فبقي على تثقيله كما بقى الأضخما عند إطلاقه على تثقيله إذا أجرى الوصل مجرى الوقف فقيل: عقربان على ما شرحنا وأوضحنا. فتأمله ولا يجف عليك ولا تنب عنه فإن له نظيراً بل نظراء ألا تراهم قالوا في الواحد: سيد فإذا أرادوا الواحدة قالوا سيدانة فألحقوا علم التأنيث بعد الألف والنون وإنما يجب أن يلحق بعد حرف إعراب المذكر كذئب وذئبة وثعلب وثعلبة وقد ترى إلى قلة اعتدادهم بالألف والنون في سيدانة حتى كأنهم قالوا: سيدة. وهذا تناهٍ في إضعاف حكم الألف والنون. وقد قالوا: الفرعل والفرعلان والشعشع والشعشعان والصحصح والصحصحان بمعنى واحد فكأن اللفظ لم يتغير. ومثل التثقيل في الحشو لنية الوقف ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: غضٌ نجارى طيب عنصري فثقل الراء من عنصري وإن كانت الكلمة مضافة إلى مضمر. وهذا يحظر عليك الوقوف على الراء كما يثقلها في عنصر نفسه. ومثله أيضاً قول الآخر: ياليتها قد خرجت من فمه فثقل آخر الكلمة وهي مضافة إلى مضمر فكذلك حديث عقربان. فاعرفه فإنه غامض. وأما مألك فإنه أراد: مألكة فحذف الهاء ضرورة كما حذفها الآخر من قوله: إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم لا نصالحكم إلا على ناح أراد: ناحية. وكذلك قوله الآخر: ليوم روع أو فعال مكرم أراد: مكرمة وقول الآخر: أراد: أي معونة فحذف التاء. وقد كثر حذفها في غير هذا. وأما أصرى فإن أبا العباس استدركها. وقال: وقد جاءت أيضا إصبع. وحدثنا أبو علي قال: قال إبراهيم الحربي: في إصبع وأنملة جميع ما يقول الناس. ووجدت بخط أبي علي: قال الفراء: لا يلتفت إلى ما رواه البصريون من قولهم: إصبع فإنا بحثنا عنها فلم نجدها. وقد حكيت أيضا: زئبر وضئبل وخرفع وجميع ذلك شاذ لا يلتفت إلى مثله لضعفه في القياس وقلته في الاستعمال. ووجه ضعف قياسه خروجك من كسر إلى ضم بناء لازما وليس بينهما إلا الساكن. ونحو منه ما رويناه عن قطرب من قول بعضهم في الأمر: اقتل اعبد. ونحو منه في الشذوذ عن الاستعمال قول بعضهم: إزلزل وهي كلمة تقال عند الزلزلة. وينبغي أن تكون من معناها وقريبة من لفظها ولا تكون من حروف الزلزلة. وإنما حكمنا بذلك لأنها لو كانت منها لكانت إفعلل فهو مع أنه مثال فائت فيه بلية من جهة أخرى. وذلك أن ذوات الأربعة لا تدركها الزيادة من أولها إلا في الأسماء الجارية على أفعالها نحو مدحرج وليس إزلزل من ذلك. فيجب أن تكون من لفظ الأزل ومعناه. ومثاله فعلعل نحو كذبذب فيما مضى. وأما مد المقصور وقصر الممدود والإشباع والتحريف فلا تعتد أصولا ولا تثبت بها مثل وقال: الفعلال لا يأتي إلا مضاعفا نحو القلقال والزلزال. وحكى الفراء: ناقة بها خزعال أي داء. وقال أوس: ولنعم مأوى المستضيف إذا دعا والخيل خارجة من القسطال وقد يمكن أن يكون أراد: القسطل فاحتاج فأشبع الفتحة على قوله: ينباع من ذفرى. وقد جاء في شعر ابن ذريح سراوع اسم مكان قال: عفا سرفٌ من أهله فسراوع وقالوا: جلس الأربعاوي. وجاء الفرنوس في أسماء الأسد. والحبليل: دويبة يموت فإذا أصابه المطرعاش. وقالوا: رجل ويلمة وويلم للداهية. وهذا خارج على الحكاية أي يقال له من دهائه: ويلمه ثم ألحقت الهاء للمبالغة كداهية ومنكرة. وقد رووا قوله: وجلنداء في عمان مقيما وإنما هو: جلندى مقصورا. وكذلك ما أنشده من قول رؤبة: حملوه على فيعل مما اعتلت عينه. وهو شاذ. وأوفق من هذا - عندي - أن يكون: فوعلا أو فعولا حتى لا يرتكب شذوذه. وكأن الذي سوغهم هذا ظاهر الأمر وأنه أيضا قد روى العين بكسر العين. وكذلك طيلسان مع الألف والنون: فيعل في الصحيح على أن الأصمعي قد أنكر كسر اللام. وذهب أحمد بن يحيى وابن دريد في يستعور إلى أنه يفتعول. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وكذلك ذهب ابن الأعرابي في يوم أرونانٍ إلى أنه أفوعال من الرنة وهذا كيستعورٍ في الفساد. ونحوه في الفساد قول أحمد بن يحيى في أسكفة: إنها من استكف وقوله في تواطخ القوم: إنه من الطيخ وهو الفساد. وقد قال أمية: إن الأنام رعايا الله كلهم هو السليطيط فوق الأرض مستطر ويروى السلطليط وكلاهما شاذ. وأما صعفوق فقيل: إنه أعجمي. وهم خول باليمامة قال العجاج: من آل صعفوقٍ وأتباعٍ أخر وقد جاء في شعر أمية بن أبي عائذ: مطاريح بالوعث مر الحشو ر هاجرن رماحه زيزفونا يعنى قوسا. وهي في ظاهر الأمر: فيفعول من الزفن لأنه ضرب من الحركة مع صوت. وقد يجوز أن يكون زيزفون رباعيا قريبا من لفظ الزفن. ومثله من الرباعي ديدبون. وأما الماطرون فذهب أبو الحسن إلى أنه رباعي. واستدل على ذلك بكسر النون مع الواو ولو كانت زائدة لتعذر ذلك فيها. ومثله الماجشون وهي ثياب مصبغة قال: طال ليلى وبت كالمحزون واعترتني الهموم بالماطرون وقال أمية الهذلي أيضا: ويخفى بفيحاء مغبرة تخال القتام به الماجشونا وينبغي أن يكون السقلاطون على هذا خماسيا لرفع النون وجرها مع الواو. وكذلك أيضا نون أطرنون قال: وإن يكن أطربون قطعها فإن فيها بحمد الله منتفعا والكلمة بها خماسية كعضرفوط. وضهيد: اسم موضع. ومثله عتيد. وكلاهما مصنوع. وقيل: الخرنباش: نبت طيب الريح قال: وقد يمكن أن يكون في الأصل خرنبش ثم أشيعت فتحته فصار: خرنباش. وحكى أبو عبيدة القهو باة. وقد قال سيبويه: ليس في الكلام فعولى. وقد يمكن أن يحتج له فيقال: قد يأتي مع الهاء ما لولا هي لما أتى نحو ترقوة وحذرية. وأنشد ابن الأعرابي: إن تك ذا بز فإن بزى سابغةٌ فوق وأي إوز قال أبو علي: لا يكون إوز من لفظ الوز لأنه قد قال: ليس في الكلام إفعل صفة. وقد يمكن - عندى - أن يكون وصف به لتضمنه معنى الشدة كقوله: لرحت وأنت غربال الإهاب وقد مضى ذكره. ويجوز أيضا أن يكون كقولك: مررت بقائمٍ رجلٍ. وقال أبو زيد: الزونك: اللحيم القصير الحياك في مشيه. زاك يزوك زوكانا. فهذا يدل على أنه فعنل. وقيل: الضفنط من الضفاطة وهو الرجل الضخم الرخو البطن. وأما زونزك فإنه فونعل فيجب أن يكونا من أصلين. وأما زوزى فإنه من مضاعف الواو. وهو فعلل كعدبس. وحكى أبو زيد زرنوق بفتح الزاى فهذا فعنول. وهو غريب. وجميع هذا شاذ. وقد تقدم في أول الباب وصف حاله ووضوح العذر في الإخلال به وقالوا: تعفرت الرجل. فهذا تفعلت. وقالوا: يرنأ لحيته إذا صبغها باليرنأ وهو الحناء وهذا يفعل في الماضي. وما أغربه وأظرفه.
وذلك في كلامهم على ضربين: أحدهما تجاور الألفاظ والآخر تجاور الأحوال. فاما تجاور الألفاظ فعلى ضربين: أحدهما في المتصل والآخر في المنفصل. فأما المتصل فمنه مجاورة العين للام بحملها على حكمها. وذلك قولهم في صوم: صيم ألا تراه قال: إنهم شبهوا باب صوم بباب عصى فقلبه بعضهم. ومثله قولهم في جوع: جيع قال: بادرت طبختها لرهط جيع وأنشدوا: لولا الإله ما سكنا خضما ولا ظللنا بالمشاء قيما وعليه ما أنشده محمد بن حبيب من قوله: بريذينة بل البراذين ثفرها وقد شربت من آخر الصيف أيلا أجاوز فيه أن يكون أراد: جمع لبن آئل أي خاثر من قولهم: آل اللبن يئول إذا خثر فقلبت العين حملا على قلب اللام كما تقدم. لحب لمؤقدان إلي مؤسى وقد ذكرنا أنه تصور الضمة - لمجاورتها الواو - أنها كأنها فيها فهمزها كما تهمز في أدؤرٍ والنؤور ونحو ذلك. وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى ما قبلها في الوقف نحو هذا بكر ومررت ببكر ألا تراها لما جاورت اللام بكونها في العين صارت لذلك كأنها في اللام لم تفارقها. وكذلك أيضا قولهم: شابة ودابة صار فضل الاعتماد بالمد في الألف كأنه تحريك للحرف الأول المدغم حتى كأنه لذلك لم يجمع بين ساكنين. فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف. ومن جوار المتصل استقباح الخليل نحو العقق مع الحمق مع المخترق. وذلك لأن هذه الحركات قبل الروى المقيد لما جاورته وكان الروى في أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيدا صارت الحركة قبله كأنها فيه فكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء. وقد تقدم ذكر نحو هذا. وله نظائر. وأما الجوار في المنفصل فنحو ما ذهبت الكافة إليه في قولهم: هذا حجر ضب خرٍب وقول الحطيئة: فإياكم وحية بطن واد هموز الناب ليس لكم بسى كأن نسج العنكبوت المرمل وإنما صوابه المرملا وأما قوله: كبير أناس في بجاد مزمل فقد يكون أيضا على هذا النحو من الجوار. فأما عندنا نحن فإنه أراد: مزمل فيه فحذف حرف الجر فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول. وقد ذكرنا هذا أيضا. وتجد في تجاور المنفصلين ما هو لاحق بقبيل المنفصل الذي أجرى مجرى المتصل في نحو قولهم: ها الله ذا أجروه في الادغام مجرى دابة وشابة ومنه قراءة بعضهم: { فلا تناجوا } و ومنه ما رأيته أنا في إنشاد أبي زيد: من أي يومى من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر أعنى فتح راء يقدر. وقد ذكرته. فهذا طريق تجاور الألفاظ وهو باب. وأما تجاور الأحوال فهو غريب. وذلك أنهم لتجاور الأزمنة ما يعمل في بعضها ظرفا ما لم يقع فيه من الفعل وإنما وقع فيما يليه نحو قولهم: أحسنت إليه إذا أطاعني وأنت لم تحسن إليه في أول وقت الطاعة وإنما أحسنت إليه في ثاني ذلك ألا ترى أن الإحسان مسبب عن الطاعة وهي كالعلة له ولا بد من تقدم وقت السبب على وقت المسبب كما لا بد من ذلك مع العلة. لكنه لما تقارب الزمانان وتجاورت الحالان في الطاعة والإحسان أو الطاعة واستحقاق الإحسان صارا كأنهما إنما وقعا في زمان واحد. ودليل ذلك أن لما من قولك: لما أطاعني أحسنت إليه إنما هي منصوبة بالإحسان وظرف له كقولك: أحسنت إليه وقت طاعته وأنت لم تحسن إليه لأول وقت الطاعة وإنما كان الإحسان في ثاني ذلك أو ما يليه ومن شرط الفعل إذا نصب ظرفا أن يكون واقعا فيه أو في بعضه كقولك: صمت يوما وسرت فرسخا وزرتك يوم الجمعة وجلست عندك. فكل واحد من هذه الأفعال واقع في الظرف الذي نصبه لا محالة ونحن نعلم أنه لم يحسن إليه إلا بعد أن أطاعه لكن لما كان الثاني مسببا عن الأول وتاليا له فاقتربت الحالان وتجاور الزمانان صار الإحسان كأنه إنما هو والطاعة في زمان واحد فعمل الإحسان في الزمان الذي يجاور وقته كما يعمل في الزمان الواقع فيه هو نفسه. فاعرفه. ومثله: لما شكرني زرته ولما استكفاني كفيته وزرته إذ استزارني وأثنيت عليه حين أعطاني وإذا أتيته رحب بي وكلما استنصرته نصرني أي كل وقت أستنصره فيه ينصرني وإنما ينصرك فيما بعد زمان الاستنصار. ويؤكد عندك حال إتباع الثاني للأول وأنه ليس معه في وقته دخول الفاء في هذا النحو من الكلام كقولك: إذا سألته فإنه يعطيني وإذا لقيته فإنه يبش بي. فدخول الفاء هنا أول دليل على التعقيب وأن الفعلين لم يقعا معا في زمان واحد. وقد ذكرنا هذا ليزداد القول به وضوحا وإن كان ما مضى كافيا. ولما اطرد هذا في كلامهم وكثر على ألسنتهم وفي استعمالهم تجاوزوه واتسعوا فيه إلى ما تناءت حالاه وتفاوت زماناه. وذلك كأن يقول رجل بمصر في رجل آخر بخراسان: لما ساءت حاله حسنتها ولما اختلت معيشته عمرتها. ولعله أن يكون بين هاتين الحالين السنة والسنتان. فإن قلت فلعل هذا مما اكتفى فيه بذكر السبب - وهو الاختلال - من ذكر المسبب عنه وهو المعرفة بذلك فيصير كأنه قال: لما عرفت اختلال حاله عمرتها. قيل: لو كان الأمر على ذلك لما عدوت ما كنا عليه ألا ترى أنه قد يعرف ذلك من حال صاحبه وهو معه في بلد واحد بل منزل واحد فيكون بين المعرفة بذلك والتغيير له الشهر والشهران والأكثر. فكيف بمن بينه وبينه الشقة الشاسعة المحتاجة إلى المدة المتراخية. فإن قيل: فيكون الثاني من هذا كالأول أيضا في الاكتفاء فيه بالمسبب من السبب أي لما عرفت ذلك فكرت في إصلاحه فاكتفى بالمسبب الذي هو العمارة من السبب الذي هو الفكر فيه قيل: هذا وإن كان مثله مما يجوز فإنه ترك للظاهر وإبعاد في المتناول. ومع هذا فإنك كيف تصرفت بك الحال إنما أوقعت الفكر في عمارة حاله بعد أن عرفت ذلك منها. فوقعت العمارة إذاً بعد وقت المعرفة. فإذا كان كذلك ركبت سمت الظاهر فغنيت به عن التطال والتطاول. وعلى هذا يتوجه عندى قول الله - سبحانه -: وجاز إبدال إذ - وهو ماض في الدنيا - من قوله: اليوم وهو حينئذ حاضر في الآخرة لما كان عدم الانتفاع بالاشتراك في العذاب إنما هو مسبب عن الظلم وكانت أيضا الآخرة تلى الدنيا بلا وقفة ولا فصل صار الوقتان على تباينهما وتنائيهما كالوقتين المقترنين الدانيين المتلاصقين نحو أحسنت إليه إذ شكرني وأعطيته حين سألني. وهذا أمر استقر بيني وبين أبي علي - رحمه الله - مع الباحثة. وقد يجوز أيضا أن تنصب اليوم بما دل عليه قوله تعالى: وكأنه إنما جاء هذا النحو في الأزمنة دون الأمكنة من حيث كان كل جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه إنما يلي الثاني الأول خالفا له وعوضا منه. ولهذا قيل - عندى - للدهر عوض - وقد ذكرت هذا في كتابي في التعاقب - فصار الوقتان كأنهما واحد وليس كذلك المكان لأن المكانين يوجدان في الوقت الواحد بل في أوقات كثيرة غير منقضية. فلما كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع في الوقت الواحد والأوقات كلها لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه. فلهذا لا نقول: جلست في البيت من خارج أسكفته وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسه لأن البيت لا يعدم فيكون خارج بابه نائبا عنه وخالفا في الوجود له كما يعدم الوقت فيعوض منه ما بعده. فإن قلت: فقد تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر الدير قيل: ليس هذا من حديث الجوار في شيء وإنما هو من باب بدل البعض لأنه بعض طريق البصرة يدل على ذلك أنك لا تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير لأنه أطول من طريق البصرة زائدة عليه والبدل لا يجوز إذا كان الثاني أكثر من الأول كما يجوز إذا كان الأول أكثر من الثاني ألا ترى أنهم لم يجيزوا أن يكون ربع من قوله: اعتاد قلبك من سلمى عوائده وهاج أهواءك المكنونة الطلل بدلا من الطلل من حيث كان الربع أكثر من الطلل. ولهذا ما حمله سيبويه على القطع والابتداء دون البدل والإتباع هذا إن أردت بالبصرة حقيقة نفس البلد. فإن أردت جهتها وصعقها جاز: انحدرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير. وغرضنا فيما قدمناه أن تريد بالبصرة نفس البلد البتة. وهذا التجاور الذي ذكرناه في الأحوال والأحيان لم يعرض له أحد من أصحابنا. وإنما ذكروا تجاور الألفاظ فيما مضى. وقد مر بنا شيء من هذا النحو في المكان قال: وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها وإنما يجول الراكب في صهوة الفرس لا في كاثبته لكنهما لما تجاورا جريا مجرى الجزء الواحد.
منها رأيت أبا علي - رحمه الله - معتمدا هذا الفصل من العربية ملما به دائم التطرق له والفزع فيما يحدث إليه. وسنذكر من أين أنس به حتى عول في كثير من الأمر عليه. وذلك كقولنا: بأبأت بالصبى بأبأة وبئباء إذا قلت له: بئبا. وقد علمنا أن أصل هذا أن الباء حرف جر والهمزة فاء الفعل فوزن هذا على هذه المقدمة: بفبفت بفبفة وبفبافا إلا أنا لا نقول مع هذا: إن هذه المثل على ما ترى لكن نقول: إن بأبأت الآن بمنزلة رأرأت عيناه وطأطأت رأسي ونحو ذلك مما ليس متنزعا ولا مركبا. فمثاله إذا: فعللت فعللة وفعلالا كدحرجت دحرجة ودحراجا. ومن ذلك قولهم: الخاز باز. فالألف عندنا فيهما أصل بمنزلة ألف كافٍ ودال. وذلك لأنها أسماء مبينة وبعيدة عن التصرف والاشتقاق. فألفاتها إذاً أصول فيها كألفات ما ولا وإذا وألا وإلا وكلا وحتى. ثم إنه قال: ورمت لهازمها من الخزباز فالخزباز الآن بمنزلة السربال والغربال وألفه محكوم عليها بالزيادة كألفهما ألا ترى الأصل كيف استحال زائدا كما استحالت باء الجر الزائدة في بأبي أنت فاء في بأبأت بالصبى. وكذلك أيضا استحالت ألف قافٍ ودالٍ ونحوهما وأنت تعتقد فيها كونها أصلا غير منقلبة إلى اعتقادك فيها القلب لما اعتزمت فيها الاشتقاق. وذلك قولك: قوفت قافا ودولت دالا. وسألني أبو علي - رحمه الله - يوما عن إنشاد أبي زيد: فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يالا فقال: ما تقول في هذه الألف من قوله: بالا يعنى الأولى. فقلت: أصل لأنها كألف ما ولا ونحوهما. فقال: بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب كألف باب ودار. فسألته عن علة ذلك فقال: لما خلصت بها لام الجر من بعدها وحسن قطعها والوقوف عليها والتعليق لها في قوله: يا لا أشبهت يال هذه الكلمة الثلاثية التي عينها ألف فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كباب وساق ونحو ذلك. فأنقت لذلك وذهب بي استحساني إياه كل مذهب. وهذا الحديث الذي نحن الآن عليه هو الذي سوغ عندى أن يكتب نحو قوله: يال بكر أنشروا لي كليبا ونحو ذلك مفصولة اللام الجارة عما جرته. وذلك أنها حيزت إلى يا من قبلها حتى صارت يال كباب ودار وحكم على ألفها من الانقلاب بما يحكم به على العينات إذا كن ألفات. وبهذا أيضا نفسه يستدل على شدة اتصال حروف الجر بما تدخل عليه من الأفعال لتقويه فتعديه نحو مررت بزيد ونظرت إلى جعفر ألا ترى أن لام الجر في نحو يالزيد دخلت موصلة ليا إلى المنادى كما توصل الباء الفعل في نزلت بك وظفرت به. وقد تراها محوزة إلى يا حتى قال يالا فعلق حرف الجر ولو لم يكن لاحقا بيا وكالمحتسب جزءا منها لما ساغ تعليقه دون مجروره نحو قوله: يال بكر ويال الرجال ويال الله و: يالك من قبرة بمعمر ونحو ذلك. فاعرفه غرضا اعتن فيما كنا فيه فقلنا عليه. وإن فسح في المدة أنشأنا كتابا في الهجاء وأودعناه ما هذه سبيله وهذا شرحه مما لم تجر عادة بإيداع مثله. ومن الله المعونة. ومما كنا عليه ما حكاه الأصمعي من أنهم إذا قيل لهم هلم إلى كذا فإذا أرادوا الامتناع منه قالوا: لا أهلم فجاءوا بوزن أهريق وإنما هاء هلم ها في التنبيه في نحو هذا وهذه ألا ترى إلى قول الخليل فيها: إن أصلها هالم بنا ثم حذفت الألف تخفيفا وهاء أهريق إنما هي بدل من همزة أرقت لما صارت إلى هرقت وليست من حديث التنبيه في قبيل ولا دبير. ومن ذلك قولهم في التصويت: هاهيت وعاعيت وحاحيت فهذه الألف عندهم الآن في موضع العين ومحكوم عليها بالانقلاب وعن الياء أيضا وإن كان أصلها ألفا أصلا في قولهم: هاء وعاء وحاء. فهي هنا كألف قاف وكاف ودال ولام أصل غير زائدة ولا منقلبة وهي في هاهيت وأختيها عين منقلبة عن ياء عندهم أفلا ترى إلى استحالة التقدير فيها وتلعب الصنعة بها. ونحو من ذلك قولهم: دعدعت بالغنم إذا قلت لها: داع داع وجهجهت بالإبل إذا قلت لها: جاه جاه فجرى دعدعت وجهجهت عندهم الآن مجرى قلقلت وصلصلت ولو راعيت أصولها وعملت على ملاحظة أوائل أحوالها لكانت فلفلت لأن الألف التي هي عين عند تجشم التمثيل في داع وجاه قد حذفت ودعدعت وجهجهت. وقد كنت عملت كتاب الزجر عن ثابت بن محمد وشرحت أحوال تصريف ألفاظه واشتقاقها فجاء منه شيء صالح وطريف. وإذا ضممته إلى هذا الفصل كثر به وأنس بانضمامه إليه.
اعلم أن هذا المعنى الذي تحامته العرب - اعنى امتناعها من نقض أغراضها - يشبه البداء الذي تروم اليهود إلزامنا إياه في نسخ الشرائع وامتناعهم منه إلا أن الذي رامته العرب من ذلك صحيح على السبر والذي ذهبوا هم إليه فاسد غير مستقيم. وذلك أن نسخ الشرائع ليس ببداءٍ عندنا لأنه ليس نهيا عما أمر الله تعالى به وإنما هو نهى عن مثل ما أمر الله تعالى به في وقت آخر غير الوقت الذي كان - سبحانه - أمر بالأول فيه ألا ترى أنه - عز اسمه - لو قال لهم: صوموا يوم كذا ثم نهاهم عن الصوم فيه فيما بعد لكان إنما نهاهم عن مثل ذلك الصوم لا عنه نفسه. فهذا ليس بداء. لكنه لو قال: صوموا يوم الجمعة ثم قال لهم قبل مضيه: لا تصوموه لكان - لعمري - بداء وتنقلا والله - سبحانه - يجل عن هذا لأن فيه انتكاثا وتراجعا واستدراكا وتتبعا. فكذلك امتناع العرب من نقض أغارضها هو في الفساد مثل ما نزهنا القديم - سبحانه - عنه من البداء. فمن ذلك امتناعهم من ادغام الملحق نحو جلبب وشملل وشربب ورمدد ومهدد وذلك أنك إنما أردت بالزيادة والتكثير البلوغ إلى مثال معلوم فلوا ادغمت في نحو شربب فقلت: شرب لا تنقض غرضك الذي اعتزمته: من مقابلة الساكن بالساكن والمتحرك بالمتحرك فأدى ذلك إلى ضد ما اعتزمته ونقض ما رمته. فاحتمل التقاء المثلين متحركين لما ذكرنا من حراسة هذا الموضع وحفظه. ومن ذلك امتناعهم من تعريف الفعل. وذلك أنه إنما الغرض فيه إفادته فلابد من أن يكون منكورا لا يسوغ تعريفه لأنه لو كان معرفة لما كان مستفادا لأن المعروف قد غنى بتعريفه عن اجتلابه ليفاد من جملة الكلام. ولذلك قال أصحابنا: اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك لو أخبر بما لا شك فيه لعجب منه وهزئ من قوله. فلما كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير ألا تراه يجرى وصفا على النكرة وذلك نحو مررت برجل يقرأ فهذا كقولك: قارئٍ ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة. ومن ذلك امتناعهم من إلحاق من بأفعل إذا عرفته باللام نحو الأحسن منه والأطول منه. وذلك أن من - لعمري - تكسب ما يتصل به: من أفعل هذا تخصيصا ما ألا تراك لو قلت: دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق الوهم إلا إلى الحسن رضي الله عنه فبمن ما صحت لك هذه الفائدة وإذا قلت: الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده من حصتها من التخصيص فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوة التعريف إلى الاعتراف بضعفه إذا هم أتبعوه من الدالة على حاجته إليها وإلى قد ما تفيده: من التخصيص المفاد منه. فأما ما ظن أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا في هذا من قول الشاعر: فلست بالأكثر منهم حصىً وإنما العزة للكاثر فساقط عنهم. وذلك أن من هذه ليست هي التي تصحب أفعل هذا لتخصيصه فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما هي حال من تاء لست كقولك: لست فيهم بالكثير مالا ولا أنت منهم بالحسن وجها أي لست من بينهم وفي جملتهم بهذه الصفة كقولك: أنت والله من بين الناس حر وزيد من جملة رهطه كريم. ومن ذلك امتناعهم من إلحاق علم التأنيث لما فيه علمه حتى دعاهم ذلك إلى أن قالوا: مسلمات ولم يقولوا مسلمتات لئلا يلحقوا علامة تأتيث مثلها. وذلك أن إلحاق علامة التأنيث إنما هو ليخرج المذكر قبله إليه وينقله إلى حكمه فهذا أمر يجب عنه وله أن يكون ما نقل إلى التأنيث قبل نقله إليه مذكرا كقائم من قائمة وظريف من ظريفة. فلو ذهبت تلحق العلامة العلامة لنقضت الغرض. وذلك أن التاء في قائمة قد أفادت تأنيثه وحصلت له حكمه فلو ذهبت تلحقها علامة أخرى فتقول: قائمتات لنقضت ما أثبت من التأنيث الأول بما تجشمته من إلحاق علم التأنيث الثاني له لأن في ذلك إيذانا بأن الأول به لم يكن مؤنثا وكنت أعطيت اليد بصحة تأنيثه لحصول ما حصل فيه من علمه وهذا هو النقض والبداء البتة. ولذلك أيضا لم يثن الاسم المثنى لأن ما حصل فيه من علم التثنية مؤذن بكونه إثنين وما يلحقه من علم التثنية ثانيا يؤذن بكونه في الحال الأولى مفردا وهذا هو الانتقاض والانتكاث لا غير. فإن قلت: فقد يجمع الجمع نحو أكلب وأكالب وأسقية وأساقٍ فكيف القول في ذلك قيل له: فرق بينهما أن علمي التأنيث في مسلمات لو قيل مسلمتات لكانا لمعنى واحدٍ وهو التأنيث فيهما جميعاً وليس كذلك معنيا التكسير في أكلب وأكالب. وذلك أن معنى أكلب أنها دون العشرة ومعنى أكالب أنها للكثرة التي أول رتبتها فوق العشرة. فهذان معنيان - كما تراهما - اثنان فلم ينكر اجتماع لفظيهما لاختلاف معنييهما. فإن قلت: فهلا أجازوا - على هذا - مسلمتات فكانت التاء الأولى لتأنيث الواحد والتاء الثانية لتأنيث الجماعة قيل: كيف تصرفت الحال فلم تفد واحدة من التاءين شيئاً غير التأنيث البتة. فأما عدة المؤنث في إفراده وجمعه فلم يفده العلمان فيجوز اجتماعهما كما جاز تكسير التكسير في نحو أكلب وأكالب. فإن قلت: فقد يجمع أيضاً الكثرة نحو بيوت وبيوتات وحُمُر وحُمُرات ونحو قولهم: صواحبات يوسف ومواليات العرب وقوله: قد جرت الطير أيامنينا فهذا جمع أيامن وأنشدوا: فهن يعلكن حدائداتها وكسروا أيضا مُثُل الكثرة قال: عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل وقال آخر: ستشرب كأسا مرة تترك الفتى تليلا لفيه للغرابين والرخم وأجاز أبو الحسن في قوله: في ليلة من جمادى ذات أندية أن يكون كسر ندى على نداء كجبل وجبال ثمم كسر نداء على أندية كرداء وأردية. قيل: جميع ذلك وما كان مثله - وما أكثره! - إنما جاز لأنه لا ينكر أن يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة ألا ترى أن مائة للكثرة وألفا أيضا كذلك وعشرة آلاف أيضا كذلك ثم على هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة وبيوتات مائة ألف وكأن عقبانا خمسون وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم تبق وراءه مضطربا فهذا قول. وجواب ثان: أنك إنما تكسر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجئ كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفي طريقها فلما جاءت هذا المجئ جرت مجرى الآحاد فجاز تكسيرها كما يجوز تكسيرها ألا ترى أن لذلك ما جاز صرفها وترك الاعتداد بمعنى الجمعية فيها لما جاءت مجئ الآحاد فصرف كلاب لشبهه بكتاب وصرف بيوت لشبهه بأتى وسدوس ومرور وصرف عقبان لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان لأنه على مثال قرطان. وصرف أكلب لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرز وأسنمة ولأنه أيضا لما كان لجمع القلة أشبه في المعنى الواحد لأن محل مثال القلة من مثال الكثرة في المعنى محل الواحد من الجمع فكما كسروا الواحد كذلك كسروا ما قاربه من الجمع. وفي هذا كاف. فإن قلت: فهلا ثنيت التثية كما جمعت الجمع قيل: قد كفتنا العرب بقولهم: أربعة عن قولهم اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا في اثنانان ونحوه بين إعرابين متفقين كانا أو مختلفين ومن ذلك ما قال أصحابنا: إن وصف العلم جارٍ مجرى نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة ألا ترى أنك إذا قلت: قال الحسن في هذه المسئلة كذا فقد استغنيت بقولك: الحسن عن قولك: الرجل الفقيه القاضي العالم الزاهد البصري الذي كان من حاله كذا ومن أمره كذا فلما قلت: الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم فلأنه كثر المسمون به فدخله اللبس فيما بعد فلذلك وصف ألا ترى أن ما كان من الأعلام لا شريك له في العلمية فإنه لا يوصف. وذلك كقولنا: الفرزدق فإنه لا يوصف فيقال: التميمي ولا نحو ذلك لأنه لم يسم به أحد غيره. وإذا ذكرته باسمه الذي هو همام جاز وصفه فقلت همام بن غالب لأن هماما شورك فيه فجاز لذلك لحاق الوصف له. فإن قلت: فقد يكثر في الأنساب وصف كثيرٍ من الأعلام التي لا شركة فيها نحو قولهم: فلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان ونظائره كثيرة قيل: ليس الغرض إلا التنقل به والتصعد إلى فوق وإعلام السامع وجه النسب وأن فلانا اسم أبيه كذا واسم جده كذا واسم أبي جده كذا. فإنما البغية بذلك استمرار النسب وذكر الآباء شيئا فشيئا على توالٍ. وعلى هذا يجوز أيضا أن يقال: الفرزدق بن غالب فأما على التخليص والتخصيص فلا. ومن ذلك امتناعهم من تنوين الفعل. وذلك أنه قد استمر فيه الحذف والجزم بالسكون لثقله. وإن شئت قلت: إن التنوين إنما لحق في الوقف مؤذنا بالتمام والفعل أحوج شيء إلى الفاعل فإذا كان من الحاجة إليه من بعده على هذه الحال لم يلق به التنوين اللاحق للإيذان بالتكامل والتمام فالحالان إذاً كما ترى ضدان. ولأجل ذلك ما امتنعوا من لحاق التنوين للمضاف. وذلك أن المضاف على غاية الحاجة إلى المضاف إليه من بعده. فلو ألحقته التنوين المؤذن بالوقف وهو متناهٍ في قوة الحاجة إلى الوصل جمعت بين الضدين. وهذا جلي غير خاف. وأيضا فإن التنوين دليل التنكير والإضافة موضوعة للتخصيص فكيف لك باجتماعهما مع ما ذكرنا من حالهما. فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم نونوا الأعلام كزيد وبكر. قيل: جاز لك لأنها ضارعت بألفاظها النكرات إذ كان تعرفها معنويا لا لفظيا لأنه لا لام تعريف فيها ولا إضافة كما صرفوا من الجمع ما ضارع الواحد ببنائه نحو كلاب لأنه ككتاب وشيوخ لأنه كسدوس ودخول وخروج. وهذا باب مطرد فاعرفه.
هذا معنى مطروق في غير صناعة الإعراب كما أنه مطروق فيها. وإذا تشاهدت حالاهما كان أقوى لها وأذهب في الأنس بها. فمن ذلك قولهم: إن الإنسان إذا تناهى في الضحك بكى وإذا تناهى في الغم ضحك وإذا تناهى في العظة أهمل وإذا تناهت العداوة استحالت مودة. وقد قال: وكل شيء بلغ الحد انتهى وأبلغ من هذا قول شاعرنا: ولجدت حتى كدت تبخل حائلا للمنتهى ومن السرور بكاء والطريق في هذا ونحوه معروفة مسلوكة. وأما طريق صناعة الإعراب في مثله فقول أبي إسحاق في ذكر العلة التي امتنع لها أن يقولوا: مازال زيد إلا قائماً: نفى و نفى النفي إيجاب. وعلى نحو هذا ينبغي أن يكون قولهم: ظلمة وظلم وسدرة وسدر وقصعة وقصاع وشفرة وشفار. وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثاً نحو قولهم: هذا جمل وهذه جمال وهذا رجل وهذه رجال قد أقبلت. وكذلك بكر وبكارة وعير وعيورة وجريب وأجربة وصبى وصبية ونحو ذلك. فلما كانت ظلمة وسدرة وقصعة مؤنثاتٍ - كما ترى - وأردت أن تكسرها صرت كأنك أردت تأنيث المؤنث: فاستحال بك الأمر إلى التذكير فقلت ظلم وسدر وقصاع وشفار. فتراحعت الإيغال في التأنيث إلى لفظ التذكير. فعلى هذا النحو لو دعا داع أو حمل حامل على تأنيث نحو قائمة ومسلمة لكان طريقه - على ما رأينا - أن نعيده إلى التذكير فنقول: قائم ومسلم. هذا لو سوغ مسوغ تأنيث نحو قائمة وكريمة ونحو ذلك. فإن قيل: فليزم على هذا أن لو أريد تذكير المذكر أن يؤنث قيل: هذا تقرير فاسد ووضع غير متقبل. وذلك أن التذكير هو الأول والأصل. فليس لك التراجع عن الأصول لأنها أوائل وليس تحت الأصل ما يرجع إليه. وليس كذلك التأنيث لأنه فرع على التذكير. وقد يكون الأصل واحداً وفروعه متضعفة ومتصعدة ألا ترى أن الاشتقاق تجد له أصولاً ثم تجد لها فروعاً ثم تجد لتلك الفروع فروعاً صاعدة عنها نحو قولك: نبت فهو الأصل لأنه جوهر ثم يشتق منه فرع هو النبات وهو حدث ثم يشتق من النبات الفعل فتقول: نبت. فهذا أصل. وفرع وفرع فرع. فلذلك جار تصور تأنيث المؤنث ولم يجز تصور تذكير المذكر. نعم ولو جاز تصور تذكير المذكر لأوجب فيه القياس أن يعاد به إلى التأنيث. كذا وجه النظر. وما في هذا من المنكر!. فعلى هذا السمت لو ساغ تذكير قائم لوجب أن يقال فيه: قائمة. فاعرف ذلك وأنس به. ولا تنب عنه. فإن قلت: فلسنا نجد كل المذكر إذا أريد تكسيره أنث ألا تراك تقول: رجل ورجال. وغلام وغلمان وكلب وأكلب. فهذا بخلاف ذكر وذكارة وذكورة وفحل وفحالة وفحولة. قيل: لم ندع أن كل مذكر كسر فلا بد في مثال تكسيره من علم تأنيث وإنما أرينا أن هذا المعنى قد يوجد فيه فاستدللنا بذلك على صحة ما كنا عليه وبسبيله. وكيف تصرفت الحال فأنت قد تلاحظ تأنيث الجماعة في نحو رجال فتقول: قامت الرجال وإذا عاديت الرجال فاصبر لها أي للرجال وإن شئت كانت الهاء للمعاداة. وعلى نحو مما نحن بصدده ما قالوا: ثلاثة رجال وثلاث نسوة فعكسوا الأمر على ما تراه. ولأجل ذلك ما قالوا: امرأة صابرة وغادرة فألحقوا علم التأنيث فإذا تناهوا في ذلك قالوا: صبور وغدور فذكروا. وكذلك رجل ناكح فإذا بالغوا قالوا: رجل فكمة. ونحو من ذلك سواءً اطراد التصرف في الأفعال نحو قام ويقوم وقم وما كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرف فقالوا: نعم الرجل وبئس الغلام فلم يصرفوهما وجعلوا ترك التصرف في الفعل الذي هو أصله وأخص الكلام به أمارة للأمر الحادث له وأن حكماً من أحكام المبالغة قد طرأ عليه كما تركوا لذلك أيضاً تأنيثه دليلاً عليه في نحو قولهم: نعم المرأة وبئس الجارية. فإن قلت: فما بالهم منعوا هذين الفعلين التصرف البتة ولم يمنعوهما علم التأنيث البتة ألا تراك أيضاً قد تقول: نعمت المرأة وبئست الجارية وأنت لا تصرف واحداً منهما على وجه قيل: إنما حظروا عليهما ما هو أخص الأوصاف بهما - أعني التصرف - ليكون حظره عليهما أدل شيء على حدوث عائق لهما وليست كذلك علامة التأنيث لأن الفعل لم يكن في القياس تأنيثه ألا تراه مفيداً للمصدر الدال على الجنس والجنس أسبق شيء إلى التذكير وإنما دخل علم التأنيث في نحو قامت هند وانطلقت جمل لتأنيث فاعله ولو كان تأنيث الفعل لشيء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد وانطلقت جعفر فلأجل ذلك ما اعتزموا الدلالة على خروج هذين الفعلين إلى معنى المبالغة بترك تصرفهما الذي هو أقعد من غيره فيهما دون الاقتصار على ترك تأنيثهما إذ التأنيث فيهما ليس في الأصل مستحقاً لهما ولا راجعاً إليهما وإنما هو مراعىً به تأنيث فاعليهما. ويؤكد ذلك عندك ما رواه الأصمعي عنهم من قوله: إذا فاق الشيء في بابه سموه خارجياً وأنشد بيت طفيل الغنوي: فقولهم في هذا المعنى: خارجي واستعمالهم فيه لفظ خرج من أوثق ما يستدل له على هذا المعنى وهو الغاية فيه. فاعرفه واشدد يدك به.
|